12 يونيو 2011

الحجامة لا تفطر قول جمهور السلف

قال د. أحـمد بن محمد الخليل ا لحجامة لا تفطر قول جمهور السلف.
الأستاذ المساعد في قسم الفقه بجامعة القصيم.


"بحث الفقهاء المتقدمون مسألة الحجامة من حيث التفطير بها، وعدمه، وهي تشبه تماماً التبرع بالدم، ففي كل منهما إخراج للدم، وإن كان الهدف من التبرع إعانة، الآخرين، والهدف من الحجامة التداوي، ولكن لا أثر للمقصود منهما على مسألة التفطير في الصيام.

وقد اختلف الفقهاء في الحجامة على قولين:

القول الأول: أن الحجامة تفطر وتفسد الصوم، وهو مذهب الحنابلة، وإسحاق، وابن المنذر، وأكثر فقهاء الحديث، واختاره شيخ الإسلام.

دليلهم:
1ـ قوله صلى الله عليه وسلم: ( أفطر الحاجم والمحجوم).

القول الثاني: أن الحجامة لا تفطر، وهو مذهب الجمهور من السلف والخلف.

الأدلة :
1ـ حديث ابن عباس (( احتجم رسول الله وهو صائم))، وفي لفظ عند الترمذي ((احتجم وهو صائم محرم)) قالوا وهو ناسخ لحديث (( أفطر الحاجم والمحجوم)).
وجه كونه ناسخاً: أنه جاء في حديث شداد بن أوس أنه صلى الله عليه وسلم مر عام الفتح على رجل يحتجم لثمان عشرة ليلة خلت من رمضان، فقال:( أفطر الحاجم والمحجوم))، وابن عباس شهد معه حجة الوداع، وشهد حجامته يومئذ وهو محرم صائم، فإذا كانت حجامته عليه السلام عام حجة الوداع فهي ناسخة لا محالة؛ لأنه لم يدرك بعد ذلك رمضان، حيث توفي صلى الله عليه وسلم في ربيع الأول.

الجواب: أن حديث (( أفطر الحاجم..)) هو الناسخ لحديث ابن عباس.
لأن احتجامه وهو محرم صائم ليس فيه إنه كان بعد شهر رمضان الذي قال فيه ((أفطر الحاجم والمحجوم)) فقد أحرم صلى الله عليه وسلم عدة إحرامات، فاحتجامه وهو صائم لم يبين في أي الإحرامات كان، ثم لم يذكر في الحديث أنه لما احتجم لم يفطر، فليس في الحديث ما يدل على هذا، وذلك الصوم لم يكن في شهر رمضان، فإنه لم يحرم في رمضان، وإنما كان في سفر والصوم في سفر لم يكن واجباً، بل كان آخر الأمرين منه الفطر في السفر، فقد أفطر عام الفتح لما بلغ كديد، ولم يعلم بعد هذا أنه صام في السفر، فهذا مما يقوي أن إحرامه الذي احتجم فيه كان قبل فتح مكة، وحديث ((أفطر الحاجم..)) كان في فتح مكة كما سبق.
وأيضاً إذا تعارض خبران، أحدهما ناقل عن الأصل والآخر مبق على الأصل، كان الناقل هو الذي ينبغي أن يجعل ناسخاً؛ لئلا يلزم تغيير الحكم مرتين.

مناقشة الجواب: ما قرره شيخ الإسلام متين كما ترى، ولكن يشكل عليه ما يلي:
اعتمد في كلامه على كونه احتجم صائماً محرماً، واللفظ الصحيح للحديث احتجم وهو صائم، واحتجم وهو محرم، وهو لفظ البخاري، وأما لفظ احتجم وهو صائم محرم فهو لفظ الترمذي، وقد استظهر الحافظ أنها خطأ من بعض الرواة، وأن الصواب وقوع كل منهما في حالة مستقلة.
2ـ حديث أبي سعيد الخدري ( رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للصائم في الحجامة).
3ـ حديث أنس بن مالك أول ما كرهنا الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم، فمر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أفطر هذان، ((ثم رخص النبي صلى الله عليه وسلم بالحجامة للصائم وكان أنس يحتجم وهو صائم)).
المناقشة: أنه حديث غير محفوظ.
4ـ حديث ثابت البناني أنه قال لأنس بن مالك: أكنتم تكرهون الحجامة للصائم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا، إلا من أجل الضعف".

القول المختار: في هذه المسألة إشكال، لكن الذي يظهر رجحان مذهب أكثر السلف، وهو عدم التفطير؛ للأحاديث المتكاثرة المصرحة بلفظ الترخيص، وهو يكون بعد المنع، قال ابن حزم ولفظة "أرخص" لا تكون إلا بعد النهي، فصح بهذا الخبر نسخ الخبر الأول"( ) أهـ.

وإن كان الأحتياط في مسألة الحجامة متوجهاً جداً؛ لقوة ما قاله شيخ الإسلام: من أن الناقل هو الذي ينبغي أن يجعل ناسخاً دون المبقي على الأصل؛ لئلا يلزم تغير الحكم مرتين.

والخلاصة: أن التبرع بالدم يقاس على مسألة الحجامة، والذي تدل عليه الأدلة أن الحجامة لا تفطر. فكذلك التبرع بالدم.
يتبع الموضوع بإضافات اخرى مهمة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق